الشيخ مصطفى إسماعيل.. صاحب المقام الرفيع وقارئ الملوك والرؤساء.. أحيا ليالي رمضان في أكثر من 25 دولة عربية وإسلامية.. وترك 1300 تلاوة

بوابة فيتو 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشيخ مصطفى إسماعيل.. صاحب المقام الرفيع وقارئ الملوك والرؤساء.. أحيا ليالي رمضان في أكثر من 25 دولة عربية وإسلامية.. وترك 1300 تلاوة, اليوم الأربعاء 20 مارس 2024 04:43 صباحاً

عملاق التلاوة، صاحب مدرسة خاصة، صاحب صوت فريد، قارئ الملوك والرؤساء.. قل ما شئت من ألقاب، وكلها ستصلح فى النهاية للشيخ مصطفى إسماعيل، صاحب الصوت الدافئ والمدرسة التى يسير على خطاها آلاف القرّاء حتى اليوم.

رغم ذلك، يقول الدكتور على جمعة، مفتى الديار السابق، إنه يريد أن يمنح الشيخ لقبا آخر وهو “صاحب المقام الرفيع” لأنه قرأ بـ19 مقاما، ويمكن تحليل صوته بشكل علمى خلال القراءات المختلفة.

ولد الشيخ مصطفى إسماعيل فى قرية ميت غزال عام 1905 مركز السنطة محافظة الغربية، وتعلم فى كتاب القرية حتى حفظ القرآن كاملا وهو فى الثانية عشرة، قبل أن يلتحق بالمعهد الأحمدى فى طنطا، ليتم دراسة القراءات وأحكام التلاوة، وعندما أتم السادسة عشرة وفى إحدى ليالى رمضان عام 1917 بدأ مرحلة القراءة، وأتم إسماعيل تجويد القرآن وتلاوته بالقراءات العشر على يد الشيخ «إدريس فاخر».

Advertisements

بدأت رحلة “عبقرى التلاوة” من طنطا، وتحديدًا حين وصل جثمان السيد حسين بك القصبى من إسطنبول إلى طنطا، وخرجت الناس كلها تستقبله، وفى تسجيل سابق يقول الشيخ: «خرجت مثل باقى الناس نستقبل الجثمان، ويوم العزاء دعانى أحد أقارب السيد القصبى للقراءة بالعزاء وكان عمرى 16 عاما، ولبست العمة والجبة والقفطان والكاكولة، وأراد الله أن يسمعنى جميع الناس من المديريات وجميع أعيان مصر، وذهبت إلى السرادق الضخم المقام لاستقبال الأمير محمد على الوصى على عرش الملك فاروق، وسعد باشا زغلول وعمر باشا طوسون وأعيان مصر وأعضاء الأسرة المالكة فى ذلك الوقت، وحضر العزاء أيضًا جميع أعيان القطر المصرى.

وتابع الشيخ: «لم يكن هناك مكبرات صوت، فقررت أن أسمع السرادق كله صوتى، وعندما انتهى أول القراء وكان اسمه الشيخ سالم هزاع -رحمة الله عليه- ونزل من على الدكة قفزت على الدكة وجلست، وفجأة نادى قارئ آخر قائلا: «انزل يا ولد هو شغل عيال!»، حتى حضر أحد أقارب السيد القصبى، وقال للشيخ حسن هذا قارئ مدعو للقراءة مثلك، وقرأت وأبهرت الحضور بتلاوتى.

منذ تلك اللحظة ذاعت شهرة مصطفى إسماعيل فى محافظة الغربية والمحافظات المجاورة لها، ونصحه أحد المقربين منه إلى الذهاب إلى القاهرة، ولعبت المصادفة دورها فى حياته، فحين حضر لأول مرة لمح فى طريقه لافتة مكتوبا عليها: «رابطة تضامن القراء»، ودخل لينضم إلى عضويتها، فلما كتب اسمه توقف أحد الشيوخ وسأله: «أنت مصطفى إسماعيل اللى بيحكوا عنك؟ اقرأ لى» فقرأ وأحسن وأجاد فطلب منه الشيخ أن يلقاه فى مقهى الحسين مساء نفس اليوم، وهناك كانت المفاجأة الكبرى.. فمساء هذا اليوم كان الاحتفال بمجيء شهر رمضان والحفل يذاع على الهواء مباشرة منتصف عام 1943، وكان المفروض أن يحييها الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى لكنه اعتذر لمرضه.

ثم جاءت المصادفة الثانية حين كان الملك السابق فاروق يستمع إلى الإذاعة مع بداية عام 1943، فاستمع مصادفة إلى الشيخ مصطفى إسماعيل فى الحفل الذى نقلته الإذاعة بمناسبة استقبال رمضان من مسجد الحسين فأعجب بصوته، وأصدر أمرا ملكيا باعتماده قارئا للقصر الملكى، وانتقل السكرتير الخاص بالملك إلى قرية ميت غزال للبحث عن طريق مأمور المركز عن الشيخ مصطفى إسماعيل المطلوب لدى القصر الملكى، وفى القاهرة أبلغ الشيخ مصطفى إسماعيل بتكليفه قارئًا للقصر لإحياء ليالى رمضان بقصرى رأس التين والمنتزه بمدينة الإسكندرية، فكان جانبا كبيرًا من قبول الشعب المصرى للملك فاروق هى ليالى رمضان فى ميدان عابدين، إذ كان يجلس على نفس الأريكة لسماع الشيخ مصطفى إسماعيل، مما يعد مظهرا لفكرة الشعبية الدينية.

هجوم متوقع

لكن هذا النجاح السريع لم يكن يخلو من عقبات، كان أولها هجوم الشيخ محمد سلامة، الذى هدّده بعصاه مرَّة بحجة تلاعبه بالقرآن، لكن الشيخ سلامة نفسه، عاد وقال عنه: «إن الله أعطاه حلاوة فى الصوت وإبداعا فى الأسلوب، لم يكن له نظير فى الماضى ولا فى الحاضر».

واتهمه آخرون، بالتساهل فى التلاوة لحساب التنغيم والتطريب، وهو كلام يناقض التزام الشيخ، وتصدى لأولئك بعض الشيوخ العارفين بالقرآن وأحكام تلاوته فدافعوا عنه، وفسّرُوا الالتباس الحاصل للمهاجمين بتشابه صوت الشيخ مصطفى إسماعيل مع صوت الشيخ يوسف المنيلاوى المغنى.

رغم ذلك، استمرت مسيرة “صاحب المقام الرفيع”، بل وذاعت شهرته دول كثيرة إذ زار 25 دولة عربية وإسلامية منها جزيرة سيلان وتركيا وتنزانيا وماليزيا، وقضى ليالى شهر رمضان المبارك هناك وهو يتلو القرآن الكريم بها، كما زار ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لإحياء ليالى رمضان للجاليات المسلمة فيها، وقرأ فى المسجد الأقصى لإحياء ليالى رمضان للمحبين من الجمهور لسماع صوته هناك، ثم اختاره الرئيس أنور السادات لمرافقته فى زيارة تل أبيب ضمن الوفد الرسمى ليقرأ القرآن مرة ثانية بالمسجد الأقصى عام 1977.

ونتيجة لتلك المسيرة، حصل الشيخ مصطفى إسماعيل على تكريمات متعددة محلية وعالمية، منها وسام الأرز من لبنان، ووسام الفنون عام 1965 من الرئيس جمال عبد الناصر ووسام الاستحقاق من سوريا عام 1958، ووسام الاستحقاق من الرئيس مبارك عام 1985، ووسام الفنون من تنزانيا.

ويقول المؤرخ الموسيقى كمال النجمى فى كتابه «الشيخ مصطفى إسماعيل حياته فى ظل القرآن» الصادر عام 1986: أعظم قارئ للقرآن الكريم فى الأعوام المائة الماضية، فلم نسمع أدقّ منه إحساسا بكلمات الكتاب الكريم، ولا أشد منه لباقة فى التعامل مع المقامات العربية، والتصرف فيها بما يحفظ لقراءاته الصحة التامة طبقا لأصول علوم القرآن، بالإضافة إلى أن صوته مكتمل الجمال والقوة بجميع درجاته نظرًا لاتساع مساحة حنجرته ووصوله لدرجة جواب الجواب التى لم يصل إليها بإتقان صوت غير صوته، ولا يحكمها أداء إلا أداؤه، وكان عنصر المفاجأة فى المسارات والقفلات يمثل حالة إعجازية نادرة.

كما قال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب: «يتمتع بمقدرة فائقة فى تركيب السلالم الموسيقية، فكان عبقرى زمانه، وكان يحيى ليالى رمضان عند الملك فاروق، وكنت أحرص على سماعه كل ليلة، وأتعجب، أربعين سنة فشلت فى ضبط أذنى مع صوته لأنه كان عنده عنصر المفاجأة فى كل آية من البداية للنهاية. فإذا حاولت اللحاق به يفاجئك حتى فى حالة تكراره الآيات، ووصفته السيدة أم كلثوم بأنه تخت موسيقى كامل».

الجانب الآخر للشيخ

بجانب ما تركه الشيخ مصطفى إسماعيل من تلاوات بلغ عددها 1300 تلاوة، ما زالت تبث عبر إذاعات القرآن الكريم، أحب الشيخ أيضًا لعبة كرة القدم ومشاهدة المباريات، ومن هوايته أيضًا لعب الطاولة خاصة فى المصيف، وهو حريص على الفوز فى اللعب، ويقول: «لما يلعبوا معايا بيهللوا على المغلوب، فأنا مستحيل أبات مغلوب، ألاعبهم لغاية ما أغلبهم وأبات مبسوط».

وسجَّل الشيخ مصطفى إسماعيل بصوته القرآن الكريم كاملًا مرتلًا، وترك وراءه العديد من التسجيلات المجوَّدة، التى لا تزال إذاعات القرآن الكريم تصدح بها صباح مساء.

أما آخر كلماته قبل الرحيل: «اللهم لا تحرمنى من التلاوة حتى ألقاك»، وقد تحقق له ما أراد، فكان آخر شيء فعله قبل وفاته هو تلاوة القرآن الكريم فى إحدى السهرات الخارجية بمدينة دمياط، حتى توفاه الله، وتم دفنه وفق وصيته فى مسجده الملحق بداره فى قرية ميت غزال، رحم الله شيخنا الجليل.

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق